"وصية الجندي"
الحمد لله احمده وأستعينه واشهد شهادة مستيقنا بها
انه لا اله إلا الله وحده لاشريك له ولا معبود بحق سواه عاليا في علاه مستوي فوق
عرشه بايناً من خلقه: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}.عليه توكلت وبه أملي
وإليه رجائي أعوذ به أن أشرك به وأنا اعلم واستغفره لما لا اعلم واشهد أن محمد بن
عبد لله خاتم رسل الله وأنبيائه أنزل عليه أفضل واشمل كتبه ومثله معه فصلوات ربي
عليه وعلى اله وأصحابه الكرام البـررة المبلغين عن رسولهم ما انزل إليه من ربه وما
سنه أما بعد فهذه وصيتي إليك يا بني أرجو أن تنير لك سبيل الهداية وتجنبك الزلل
والغواية.
*أعلم يابني أننا نسير في مواكب الأقدار ليلاً ونهار وأنت
في مقتبل العمر والله اعلم بالأعمار أراه من الواجب علي أن أوصيك بما ينفع لأنك إن
أمهلك الله ستنزل إلى ميدان فسيح تحفه المخاطر فيه طرق متشعبة وأمواج متلاطمة
والناس فيه شيعا وأصناف ولله في خلقه شؤون ألا فلا تته بين طرق البدع
والأهواء ولا تجرفك أمواج الفتن والشهوات ولا يشغلنك حال الناس عن حالك واعلم بإن
لله عليك رقيب من مكان قريب حاضراً لا يغيب.
*يابني إن الأمور ستمر كما قدر لها فلا يحتر عقلك ولا يكتظ صدرك
ولا تأمن فتؤتى ولا تقنط فتشقا وخذ بالحزم وأسباب الوقاية والحيطة مع الإيمان
بالقدر القضاء.
*يابني لا تتبعن نفسك هواها فتضل ولا تعنتها فتمل وتحرز
من زلات لسانك وعثراته فما أحصى على الإنسان شيء كلسانه و في الرضا أكثر منه
في الغضب.
*يابني احرص على أن تجلب لنفسك الخير فإن لم تستطعه فإتق الشر
فذلك خير ميسور واحذر من شطحات لسانك فانه عليك موثور.
*يابني احرص على ما ينفعك دينا ودنيا ولاتكن شرها وتعلم ما
ينبغي قبل العمل وأسال في كل أمرا أهله وشاور ذي التجارب الفطن مع التأمل والتأني
واعلم بأنك لن تجمع من الدنيا إلا ما قد قدر فلا تشربنها القلب ولا تشغلنك عن
الفرض أو تحرمن بها النفل واعلم أن مصائبها مواعظ ونعمها مصائب فخذ من خيرها
لصلاح ما بعدها.
*اعلم يابني أنك في عصر ليس كسابقه أُشرب أهله المظاهر
وقادهم التفاخر بالمناخر إن جاريتهم أثقلت الكواهل وان خالفتهم احتقرك الأراذل ألا
فخذ بالأعدل ولا تقدمن على عمل يذلك بين الناس ولا تفكرن فيما لا تقدر عليه فانه يجلب
الوسواس ولا تعودن نفسك عادة تعاب بفعلهـا أو تُلام بتركها ولا تأتي بالغرائب فتظن
بك الظنون ولا تسخطنك نوائب الدهر إذا حلت وخذ من كل حادثة عبرة فقد يكون في
المصائب خير مالم تكن في الدين.
*يابني تخير الأصحاب والجلساء ولا تسيء الظن ولا تطلق الثقة ولا
تفشي لك أسرار ولا تفتخرن بما آتاك الله ولا تكثر المزاح فإن له عواقب أدناها
الملل. واجتنب الضحك وأسبابه إلا المندوب عند اللقاء أو لذي حاجة أو عند إسداء ولا
تضحكن عند قدوم إنسان أو إدباره وإن كان من الأعداء. واعلم أن كثرة الكلام
" مظنة للكذب منقصة عند ذوي الشأن مورثاً للنسيان "
*يابني تعلم من العلم ما ترجو به الفرج ويدفع عنك الحرج.
واعلم أن العلم ليس مرقا سهل ولا مرتع خصب لا يدرك بالشـدة ولا ينال بالدعة بعيد
عن المتهتلك قريب من المتأني فاصبر على نصب التعلم تنال راحة العلم. وإن مما يكسب
المرء العلم:التدبر والاعتبـار والنظـر في الآثـار ولئن تكون عاميا حسن الأخلاق
خير وأحب إلي من عالم منفر جهول.
*يابني إذا تعلمت شيء فأتقنه ولا تنازعن الأمر أهله و عامل الناس
بما تحبه منهم وحسن خلقك وصل رحمك وتودد لبني عشيرتك ولا تتدخلن في شؤون
الغير وإن كان قريب ماعدا إرشاد إلى خير أو تحذيرا من شر.
*يابني إياك والشماتة أو العبوس فإن الدهر دوال وأحذر معميات
البصيرة (الكبر والحسد و الغضب و الأنانية و الانفعال والضجر و
الغـرور).
*اعلم يابني أن عوامل النجاح معرفة أسبابه وأولها
الإيمان بأنه لا يمكن حصول نفع أو دفع ضرر إلا بإذن لله وتقديره وصدق التوكل على
الله يجلب الخير ويدفع الشر مع الأخذ بالأسباب والحكمة.
*يابني إذا نويت السفر فسأل عن السبيل قبل
المســـير وجدد الإيمان والتوبة واخلص التوكل على الله وخذ لكل سفر عدته وتوق
السفر ظهر النهار وعجز الليل واعتدل في المسير ولا تشهرن السفر إلا ذي قربى واقضي
حجتك قبل المسير ولا تنسى الدعاء وكن على وضوء ما استطعت ومما يعين عليه لبس
الجوارب في السفر ولا تأكل في سفرا مالم تعتاد معدتك من قبل واحرص على ما يحفظ لك
الصحة وإن كان قليل ولا تكون قتيل التخمة ولا تجمعن متضادان في أكلة واحدة وإذا
أكلت فأصغر لئلا تغص ولا توالي موالاة النهم ولا تكون أول القوم وللآخر.
*يابني اجتنب دخول الأسواق مااستطعت وإن كان لابد فأبدأ
بالمأثور وتعرف على الأسعار قبل الاقتضاء مع المسـاومة بالحكمة فإن عزمت فالجيد
أدوم والمغالاة إسراف والمباهاة مذمومة وإن كثر ارتيادك لسوق ما فتخير التعامل مع
من ينظر المعسر ولا تذل نفسك بالدين وإن اضطررت فبنية الوفا مع البدار
بالقضاء واعلم أن الدين أربعة
أقسام:معنوياً قبيحاً
نسيانه . ومادياً واجب قضائه. ودين لله: شكر على نعمة. أو قضاء أمر به.
*يابني إن من خصال الأدب والحكمة: السكينة والوقار ، واجتناب
الزور والبهتان ، وإقلال الكلام وتحري الصواب ، وتحسين اللفظ ، واختيار المناسب ،
وتكييف الصوت بقدر الحاجة مع التؤدة والخشونة دون المبالغـة ، والرفق بالنفس
والأهل من غير إدلال أو دعة ، وخلق بين اللين والشــدة ، وحلـم بالحكمة ، وإنفاق
بين السرف والتقتيــر ، وبذل بين الفرط والبخل ، وترك ما لا يعني ، واجتناب
الشبهات ، والترفع عن السفاسف والتفاهات ، والصبر على أذى الجار مالم تكون خيانة ،
والعفو عن زلة الجاهل وهفوة الغريب ، ما لـم تتكرر ، وعدم التسرع في قول أو فعل.
واعلم بأن حسن التدبير نعمة والصلف نقمة والتأمل حكمة وزمام الأمن والسلامة إتباع
الصواب وكمـال العـزة والكـرامة الغنى بما عند الخالق عن الخلق ولا غنى لك عن المداراة والحرص خير من
الندامة.
*يابني لقد تأملت الحياة وأهلها فرأيت همهم وأمنياتهم حيازة
السعادة فمنهم طالب لسعادة الدنيا وملذاتها غافلا أو متغافلا عن الآخرة وأهوالهــا
فذلك ضال أو مغرور. وطالب لسعادة الآخرة جاهلا أو متجاهلا الدنيا وحسناتهـا فهذا
جاهل محروم. وطالب للسـعادة بالأمانـي فذاك أظلهمـا. ألا إن الســعادة في التقوى
وطمأنينة الإيمان فلعلك تفهم ألا لا يغرنك الممـر عن الدار ولا تهمل الممر
فتضل الدار.
*يابني لقد تأملت حال المعاصرين ونظرت فيما يسـر لي من
دواويـن السالفين فما رأيت للمرء خير من العلم فإن لم يكن فخصال تلم الشمــل: قلب
صالح 1 و عقل راجح 2 و بيان واضح 3 و فطرة تدله على
الصواب4 و حياء يحول بينه
وبين القبائح 5 و ضمير يرده عن
الظلم والخيانة 6 و قناعـة تمنعه
عن الغش والحسد 7 و صبر يعينه على
نوائب الدهر8 و أناة تغلــب الهلع 9 و حسن خلق يكسبه محبة الخالق والخلق10 و حسن تدبير
يعيـش به قرير العين 11 و حسـن تصـرف عند
فجائة النوازل 12 و نظـرة الآجل
قبل العاجل 13 و بصيرة في
العمل 14 و خير مؤمل 15 و رضاء بالقضاء والقدر 16.
*يابني لقد نظرت في سـير الظالميـن وأحوال المظلوميـن فلا والله
ما رأيت اشد مرارة ولا أعظم مصيبة من مظلمة يُعرض عن مُصابُهـا الكرماء ويستهزئُ
به اللؤُماء ألا فربأ بنفس عن مواطن الشبهات.
*يابني إنني لا أخشى عليك الفقر ولا أخاف عليك بطـش
الأعـداء ولكن أخشى أن تته في هذه الدنيا ثم تستيقظ في يومٌ ما أو تندم في حيـن لا
ينفعك الندم فتقول لو كان أبي ..... وأي حجة لك عليّ وقد أوصيتك بما يوقظ الغافل
وينفع الطالب ويحمل اللبيب إلى ما هو أفضل ألا فلا تخيب فيك أملي ولا تمنعن عني
دعاك بالمعاصي.
(*) السبب في كتابة هذه الوصية حرب العراق على الكويت حيث وزعت علينا
مظاريف فيها رسائل من قبل الشؤون الدينية للقوات السعودية تحث على
الايصاء وذلك أثناء الاستعداد للتحرير فاستخرت الله سبحانه فيما اكتبه لابنائي
من الوصايا إذ لم يكن لدي ما أوصي به فيسر الله لي كتابة هذه النصائح
المتواضعة وهي 18 وصية والحمدلله على منه وتوفيقه .
|
التوقيـع/ المشـفق
عليـك.
ابراهيم
بن علي بن مفرح
29-5-1411هجـــــــــري
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق