حـكاوي من بادية
بني هلال - البرك.
يكتبها| ابراهيم بن علي بن مفرح الهلالي
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما
بعد فهذه حكاوي و قصص شـعبية من (بادية
بني هلال) حرصت على التحري في
إيرادها قدر الإمكان علما بأن اغلب ما اذكره هو من مشاهداتي الشخصية أو مما تأكد
لي نقله من أناس ثقات اعرفهم معرفة تامه على ما سيأتي والكمال لله سبحانه قد أحاط
بكل شيء علما. وقد جعلت هذه الحكايات على شكل حلقات وهي عن التقلبات المناخية
والكهانة وقصص الجن والشعر الشعبي وكل حلقة في عدة فقرات مختصرة ليسهل
الاطلاع عليها والله الهادي إلى سواء السبيل.
الحلقة
الأولى| علم الفلك: المكتسب بالملاحظة والفطنة ويشمل: معرفة تعاقب
الفصول الأربعة بداية ونهاية والتقلبات المناخية الحرارة والبرودة وهبوب العواصف
وقرب دخول المواسم الممطرة بإذن الله وماذا يصلح بذره من الحبوب في هذا الموسم أو
ذاك ويستدلون على ذلك في الغالب بطلوع بعض النجوم البارزة أو هبوطها مثل أمعشوة -
الثرياء-أو بالتجربة والملاحظة وقد نبغ في كل ما تقدم أو بعضه عدد من رجال بني
هلال على الرغم من أميتهم ومن أبرزهم:-
1- الشيخ/ محمد بن علي المعروف
بـ"أبر امجوهرة " من
عشيرة آل علي بني
هلال.
2-
الشيخ/ سهيل بن مشـني من عشيرة آل جابر بني هلال.
لقد عرف عن كل من/ محمد بن أمجوهرة وسهيل بن مشني تحدثهـم عن الفلك على
الرغم من عدم اهتمام البعض من جلسائهم بما يقولون وذلك لقصور فهم العوام وأنا
واحدا منهم عن أدراك هذا العلم ومع هذا فمما لاشك فيه أن هناك من يعرف شي من
مقولاتهم في هذا المجال إلا انه ليس لدي الإمكانات لجمعها من هنا وهناك ولهذا
اقتصـر على ما شاهدته أو سمعته منهم مباشرة وهو قليل لكن من باب المقولة الأصولية
" ما لا يدرك كله لا يترك بعضه" ولعل ما اذكره هنا يكون حافزا
لجمع المزيد من أخبارهم ومقولاتهـم وبالله التوفيق.
1- محمد
( ابر امجوهرة )في حوالي عام 1394هـ شاهدت الشيخ محمد ابر امجوهرة وهو يشرح الدورة
الشمسية حيث ألتقينا به ونحن مجموعة من الرعاة نرعى بجبل زور الحماط وجلسنا جميعـا
في ظل شجرة وكان الظل متجها إلى الشمال فسأله احد الحاضرين مستغربا اتجاه الظل إلى
الشمال خلاف المعتاد ( إما إلى الغرب وإما إلى الشرق ) فوثب من مكانه مسرعا إلى
مغبرة (برحه) قريبة منا فخط فيها خطوط بعصا كانت بيده واخذ يشرح لنا مسارات الشمس
خلال تعاقب الفصول الأربعة و هو ما يعرف في علم الفلك بالأوج والحضيض. وهذا من
عجائب الأمور أن يكون احد رعاة الغنـم بهذا المستوى من العلم بمجرد الفطنة
والملاحظة فقط لا غير إذ انه لم يلتحق بمدارس الفلك ولم يجالس أربابه بل انه أمي
لا يحسن القراءة ولا الكتابة وهذا يدل على ذكائه وعبقريته وكان يومئذ قد بلغ مرحلة
متأخرة من العمر وكان خفيف الحركة شـيق الحديـث يكثر التنحنح اثنا الكلام. يرحمه
الله.
2- سهيل
بن مشني - المؤهل العلمي:أمي لا يقرأ ولا يكتب: يصدق عليه وصفــه بالموسوعي في كل
أحوال أهل البادية خبير الأرصاد الجوية ومطالع الأنواء والنجوم ومعرفة قرب
دخول المواسم الممطرة بأذن الله وكذلك التغيرات الجوية - الحرارة والبرودة وهبوب
الرياح والأتربة وهو صاحب الحكم والأمثال المعروف على مستوى بني هلال ومن
أمثاله البليغة (عمل بلا نية مثل البيضة الفاسدة ظاهرها جميـل وداخلها جيفة) سمعته
في احد المجالس عام 1419هـ يتحدث عن التقلبات المناخية وعن مطالع النجوم وهبوطها
فكأنما يقرأ من كتاب وكنت أصغي إليه دون مقاطعة أو إشعاره بذلك نظرا لمعرفتي
بالعوام فإن أحدهم إذا أظهرت له إرادة تقييد ما يقول تهيب وتورع عن الكلام ولهذا
دفعت مبلغا يسيرا لصبيا يماني كان يخدمه وطلبت منه أن يسـجل لي كل ما يسمعه من عمه
على فترات ووعدته بالمزيد من المال إلا أن الصبي استغرب واخبر عمه بذلك فتحرز عن
الكلام وقد وجدت الشيخ/ سهيل بعد ذلك بفترة من الزمن فلما أردت أن اسأله عن بعض
الأمور المتعلقة بالفلك أعتذر عن الكلام قائلا "أما حركة الكون فعلمها عند
الله" وقد اخبرني بعدد هائل مما قد قتله من السباع والضباع وبما اصطاده من
الغزلان إلى غير ذلك من عجيب أمره اسأل الله تعالى أن يقيض له من يدون سيرته
العجيبة الجميلة.
الحلقة
الثانية| الكهانة:- اشـتهر بها أربعة رجال من بني هلال قديما يعرفون
بأهل "أمصلاح" بتشديد اللام ، يعني أن لهم خدم من صالحي الجن هكذا يزعم
العوام وهم:-1-4 و هؤلاء الأربعة كانوا يعالجون جملة من الأمراض أبرزها"
السحر والعين و مس الجن" وقد يصفون لبعض المرضى أدوية مكونة من سبعة أصناف من
الأعشاب يسمونها (السبع الحارات) منها (المر و الحلتيت و الحبة السوداء).وأحيانا
يلجئون للكي لكن ليس بنار بل بريق أحدهم فيؤثر في جسد المريض كما تؤثر النار وقد
يأمرون بعض المرضى بالاحتجاب لفترة محددة. وكان أحدهم يضرب بعض المرضى وينفث
في وجوههم. وكل هذه الأشياء معروفة في الطب الشعبي بكل البلدان وبعضها في الطب
النبوي: مثل حديث{بتربة ارضنا وريقة بعضنا يشفى مريضنا بإذن ربنا...} إلا أن القوم
كانوا يخبرون عن بعض الأمور الماضية وخاصة المفقودات ويتنبأون ببعض المغيبات
المستقبلية وأسوأ أحوالهم أنهم أحيانا يأمرون بعض المرضى بذبح حيوان ذي صفات
معينة. ولعل مما يشفع لأولئك أنهم عوام لا يعلمون حدود ما شرع الله ورسوله سيما في
هذا الجانب وفي تلك الحقبة الزمنية وفي حالهم دليل على أن الجن قد تتطوع
لخدمة بعض الإنس بدون أي سعي منه في التقرب إليها إذ بادئ أمر بعض أولئك كانت حالة
مرضية. و قد يكون للجن أهداف تخفى حتى على المخدوم نفسه من اشرها استمالة العوام
إلى تعظيم ذلك الشخص مما قد يصل إلى حد الشرك والعياذ بالله. علماً بأنه لم
يؤثر عن أحد من المذكورين القيام بأي طقوس شركية أو دعوة أحد إلى تعظيمه بل
كانوا أناس عاديين ولا يعني هذا أنهم لا يخطئون بل لديهم من الأخطاء الكثير كغيرهم
من أمثالهم وأعظم أخطاؤهم ما يتضمن بعض الأمور الشركية كما تقدم. وقد يخطئون في
تشخيص بعض الأمراض العضوية وهذا يحصل في الطب الحديث فما بالك بالطب الشعبي. وقد
سمعت وشاهدت من أخبارهم غرائب وعجائب لا يتسع المقام لذكر جميعها ولهذا اقتصر على
ما شاهدته بنفسـي أو تأكد لي نقله ولعلي أجد فيما بعد من يؤكد لي المزيد من غرائب
أولئك القوم. أما ما شـــاهدته أو تأكد لي نقله على النحو التالي :
الشيخ
رقم -1 \ لقد
عرف عنه الكرم وحسـن الخلق كريم سخي يعطي عطاء من لا يخاف الفقر يعطي العطايا
ويمنح المنايح ولا يطلب ردها أبداً وفي موسم الحصاد يجتمع الناس عنده كأنما هو
جمعية خيرية وقد سمعت من أخباره ما هو قريب من أخبار الأولياء إلا أن
فيها ما يشعر بأن له خدم من الجن والله اعلم. سمعت احد المشايخ و هو من
أقربائه يقول: قلت له مرة، لستم تدرون عن شي. يعني بذلك المزعومين بأهل
"أمصلاح" فأجاب:نعم لسنا ندري عن شيء وإنما نرى مثل البارق. يقصد
بأنه عندما يريد معرفة شيء ما يكشف له عنه بنور مثل ومضة البرق في
ظلام الليل وهذا شبيهاً إلى حد ما بكرامات الأولياء والله أعلم. وقد اخبرني غير
واحد بأنه كان يتخاطب مع ابنه وبينهم مسافات شاسعة وهذا يدل على ان الجن استخدمت
ما يشبه الهواتف النقالة المعروفة حاليا قبل أن يعرفها الإنس بعشرات السنين. هذا
شيئا من أخبار الشيخ رقم -1- الكثيرة ولقد كان محبوبا عند كل من يعرفه وذلك
لسهالته وحسن خلقه وكان من عادته اذا اراد ان يحلف أنه لا يتعنت ويغلظ في الأيمان
بل يطلب الرضا من الله فيقول "الله يرضى عليه". ومن عجيب أمره انه إذا
أتاه بعض العوام زيارة ومعهم ذبائح فانه لا يذبح شي مما يأتون به بل يذبح لهم من
غنمه الخاص ،اخبرني أحد أقربائـه قال نزل ضيوف على ابن الشيخ وهو-الشيخ- غير موجود
فذبح لهم الابن خبشة (جفرة) من الغنم وأمر أحد الحاضرين بسلخها وشُبت النار في
المحنذ ووضعوها فيه وتركوها الفترة المعتادة للنضج وبعد ذلك قاموا بفتح المحنذ
لاستخراج اللحم فإذا هو مثل يوم وضـعوه لم يتغير منه شي والسبب أنهم وقعوا في جفرة
من الأغنام التي يؤتى بها هدية للشيخ يغفر الله له ولجميع أمواتنا.
الشيخ
رقم -2 \ حضرت
وشاهدت من غرائبه الآتي:- لقد جاورناه مع بعض أقربائه لفترة من الزمن أذكر
أنه في مرة من المرات وبعد غروب الشمس بقليل سمعت ضوضاء في بيت الجيران من أقربائه
فأتيت مسرعا وكنت حينها غلام في سن المدرسة لكن لا يوجد مدارس آنذاك وأتوقع الآن
أنه في حوالي 1386هـ- 1387هـ. فرأيته مضطجعا على سرير ومدثر بلحاف عسيري فأخذت
أسأل "ما معه ما معه" أي ماذا به فأقبل علي الحاضرون يصمتونني
"اسكت اسكت " فدنوت من أحد الأقران من أقربائه وسألته فقال لي بصوت
منخفض - يستحضر - أي ستحضره الجن - وكان إذا أقبلت عليه الجن يصاب بحالة إغماء
فجلست انتظر بتلهف مالذي سيجري وبعد لحظات يسيرة سمعت صوت رجل غريب من تحت اللحاف
يقول السلام عليكم فإذا بمجموعة أصوات يردون عليه السلام من تحت اللحاف أيضا ولا
أرى أحد فأهويت إلى الدثار لرفع طرفه لكي انظر للصوت من تحته فنهرني الحاضرون
بغلظة فرجعت إلى مكاني ثم قام أحد الحاضرين واحضر كاسـة (ماعون) كبيرة مليئة
بالماء وادخلهـا تحت اللحاف فسمعت رشفا كرشف الإبل للماء وبعد ذلك احضروا مبخرا
فيه بخور وادخلوه تحت السرير فسمعت ناشطا ينشط البخور حتى انقطع الدخان تماما ثم
أنصت الحاضرون كأنما على رؤوسهم الطير فإذا بأصوات مجموعة من الرجال يتحدثون مع
بعضهم البعض تحت اللحاف ففهمت طاري الملك فيصل وأمريكا. و و الله ما في الحلة أي
وسيلة من الوسائل الإخبارية بل لم يكن هناك سوى ثلاثة أو أربعة بيوت فقط من البدو
الرحل وإنما هي الجن تتناقل الأخبار.
و
من غرائبه أيضا انه في يوم من الأيام لفا إلينا ضيف يشتكي من فقدان بقرة له ويطلب
من المذكور أن (يشرح له)- بضم الياء وتسكين الشين وترقيق الراء- أي يخبره عن مكان
وجود بقرته وكان رمال يضرب بالحصى وبعد تقديم ما تيسر للضيف من القهوة والطعام خرج
من البيت الشيخ والضيف و خالي وأنا معهم وجلسنا تحت شجرة سمرة بجوار
الحلة فجلس الشيخ على الارض ومسح موضع من الأرض بيده وخط فيها خطوط متقاطعة ثم اخذ
يرمل بالحصى في يده ويضرب به على الأرض ويكرر ذلك وكأنه لم يرى شيء فسأله خالي
فأجاب قائلا قد رأيتها ولكني رايتها في ارض لم اعرفها فقال خالي" أوصفها
لي فأني اعرف الأرض" فقال :"رأيتها مع بقر فيها دهم و شعل -أي حمر
وبيض- متجهة محاجزا – شرقا بلهجة بني هلال - في واد له حجب طويلة - أي جوانب
مرتفعة- وفيه أشجار خضراء كثيرة". فقال خالي:"أنا عرفته انه وادي أمنخيل
فانصرف الضيف
مستبشرا".
- الشيخ رقم 3 \ من أعيان ووجهاء بني هلال له من الأخبار والغرائب ما يماثل
أخبار الشيخ رقم2 واكثر ومنها انه كان يكوي بعض المرضى بعرقوب رجله فكأنما يكويهم
بجمرة من نار وكان ينفث على بعض المرضى وأخبرني شخصا من الثقات ومن أعيان بني هلال
بأن والد الشيخ المذكور كواه وهو طفل في صدره بريق ولا زال اثره بائنا إلى الآن
كأنه كواه بنار وكان يغفر الله لنا وله يعالج بعض الأمراض وأحيانا يجعل لبعض
المرضى تمائم. وقد وجدت أحد الأشخاص مربوط على عضده خيطا وفيه عقد فأهويت إليه
لأقطعه فزجرني بشدة وزعم أنه قد نفعه من مرض أصابه. وفي مرة من المرات طلب مني احد
الأشخاص إيصاله (مشوار)هو وعائلتـه إلى الشيخ المذكور و معهم ذبيحة فلما وصلنا
قدمونا في بيت منعزل عن الشيخ وبعد لحظات يسيرة ذهب الرجل الذي معي واخذ الذبيحة
ليذبحها فتبعته مسرعاً لكي اسمع ماذا يقول عند ذبحها فسمعته يقول (بسم
الله) علما بأن الموجودين من أبناء الشيخ/كانوا قد منعوا ذلك الرجل أن
يذبح الذبيحة التي أتى بها ولكنه أصر على ذبحها.
-
الشيخ رقم -4 \ يتصف
بالرزانة والهدوء وحسن الخلق وقلة الكلام ليس له من الأخبار كسابقيه ويقال بأن له
من الجن قرينا واحد فقط ويحكى أن زوجتـه تحدته أن يريها قرينه إن كان
صادقا فرأته مرة بالليل فإذا له جسم واحد ورأســان فكادت أن تهلك من بشاعة
المنظر.وكان في الماضي يعالج بعض الأمراض اذكر منها أننا كنا نرعى أنا واحد
الأقربـاء وفي يوم من الأيام لاحظنا عليه إذا ضحك انشد احد شدقيه إلى قرب إذنه
فتركنا الأغنام وانصرفنا مسرعين إلى أهالينا لنخبرهم بذلك فلما رأوا ما به ذهبوا
به إلى المذكور أعلاه رقم 4 فكواه بريق( بإصبع يده) وأمره بالاحتجاب لفترة محددة
وقد شفي بإذن الله ولم يظهر لتلك الحالة أي اثر واضح كما يحصل لكثير ممن يصاب بهذا
المرض وهو المعروف في الطب الشعبي بمرض (اللقوة ويسمى عندنا -امطيره) ويعرف في
الطب الحديث بالعصب السابع. وأخبرني أحد الثقات بأنه أصابه مرض يسمى الثلث حيث
يمرض يوم ويغيب عنه يومين وهكذا فترة من الزمن قال فذهب أبي إلى فلان
المذكور أعلاه وشكى إليه مرضي فقال له أبحث عن زهب(مزرعة) مقسم ثلاثة أقسام –
يعني كل قسم لشخص - وخذ من كل ثلث حفنة تراب ثم اجمعها في ماعون واحد وذوبها
بماء ويغتسل منه المريض قال ففعلت فأشفاني الله ولم يعدي إلي ذلك المرض أبدا.
الحلقة الثالثة| قصص وحكايات عن الجن:-
إن من الملاحظ بشكل واضح لاسيما للمطلع أن
الأخبار والحكايات عن الجن في الماضي أكثر بكثير من الوقت الحاضر وذلك والله اعلم
أن البيئة في الزمان الأول كانت مواتية لظهور الجن ولسماع أصواتهم فلا أنوار تخطف
أبصارها ولا أذان - بالمكبرات - يطردها ولا هزيز آلات يحجب أصواتها بالإضافة إلى
قلة العلم وجهل الناس بما يحصنهم عن شياطين الجن ولهذا قل أن يوجد في الماضي أهل
محلة إلا وفيهم مصاب بمس من الجن لا سيما النساء وقد ذكر العلماء رحمهم الله أخبار
وحكايات عن الجن قد يعدها المعاصرين ضربا من الخرافات. وسوف أذكر بعضاً من حكايات
الجن عند بني هلال البرك بشي من التقديم:-
أ/ الجن تحضر المناسبات التي يوجد فيهـا بعض المعاصي: لقد كان لبني هلال
عوائد خاصة في حفلات الزواج تختلف تقريبا عن سائر القبائل البدوية إذا يمكثون
ثلاثة أيام وهم يعدون العدة ويجمعون الجموع لإقامة الحفل ويسمون ذلك الحفل (هَود)
بفتح الهاء وكسرتين تحت الدال تنوينا. يدعون ساير أفراد العشيرة والعشائر المجاورة
لهم رجالا ونساء ويجعلون ليلة اليوم الرابع بعد الثلاثـة الأولى الموعد النهائي
لنهاية الحفل والدعوة مفتوحة لكل من هب ودب مجانا ويتم اختيار ميدان فسيح – فضاء-
لهذا الغرض تشب في وسطه نارا تسعر بالحطب حتى تصل إضـاءتها عدة أمتار و يحضر جمع
غفير يعجز العاد عن إحصائه لاسيما إذا كان الزوج من عشيرة والزوجة من عشيرة أخرى.
وتحضر النساء في أبهى الزينة وأحلى الحلل وأطيب الطيب متبرجات كأن وجوههن كواكب
وضاءة و يحضر الرجال بكل بهو وخيلاء في عتادهم الحربي كأنهم كتائب جيش منتصر كل
عشيرة متحدة لوحدها في جانب من الحفل. وفي الغـالب يأتون عند قدومهم عرضة يهزون
الأرض هزا نشاطا وفتوة ينشدون الزامل فيه مدح وثنـاء على أهل الحفل مبدوء بالسلام مثل
قولهم:
( سلام يهل الجود من عصر
مقدما
ذبح الغنم
للضيف مثل العيد في منى,
صب العسل والسمن وسيولو تليما
يقلون
هذا عادة الجدان شرعنا).
وقول أخر وهو الشاعر علي بن نافع رحمة الله
(سلام يا لابه لهم لفعال بينه حرابهم راح اللحد تحت النصائب
منهم جميع الطارفة لاياخذ
القدى يبلغ مغشتهم ولو تى الحق صائب).
وبعد ذلك تصطففن النساء حول النار صفين متقابلين ويبدأن باللعب
يتبادلن الأغاني بأعلى أصواتهن وبتلحيناً نادرٍٍ وبيد كل واحدة منهن دف يضربن
بأيديهن في الدفوف بشكل متناسق مع الصوت والحركة ويدرن حول النار في منظر من أروع
صور فنون الفلكلور الشعبي والرجال محلقين عليهن من كـل جانب كما تحلق
الأكلة على أحلى الموائد ويقوم الشعراء الواحـد تلوَ الآخر بنسج القصائد الغزلية
للنساء بألحان التطريب لكل صف شطر من القصـيدة الواحدة يسمونها بدوع ومفردها
بدع كلما رأى الشعراء كلل أو ملل من النساء استنهضوهن بالقصائد الحماسية مثل
قول احدهم وهو فايز الصبيحي:
( يمخيل ما هذا العقوبة هو كاسلٍ والا نيامى )
وقوله :( يمخيل دشي وطربينا فنحم على العاده مقيمـه
ويطرب الخاطر ويعـرف ذا
ليس لو فمسوق سيمه).
وقول أخر:(والله يمزين لاهي لك بعاده ساطع الصبح نفرقها ورحنا )
حرم الليلة مجلاس امقعادة وارقد الصبح واحلف لا سرحنا).
وهذا من ابلغ أنواع التشجيع الذي يبعث في أنفسهن الحماس
والنشوة و هو من قصائد لعب الخطوة ثم يستمر الحال على هذا الحال إلى قرب طلوع
الفجر في مشـهد صاخب من الفرح والمرح يعجز الوصاف عن وصفه ، وفي بعض الأحيان
يقع بيـن النساء نوع من التحدي فيستمرن في اللعب إلى قرب طلوع الشمس وقد يلجأ بعض
الشعراء الى محاولة إنهاء هذا التحدي كقول احدهم يخبر زوجته وقرائبه أنه سوف يغادر
الحفل فإن كن معه فلينهين التحدي قال :
(كنته معي يمزين هيا لاعاد
بعد الساعه مجلاس
عين الفجر طلع بنوره بعض المجاكر مالو الراس
)
والمجاكروالمجاكرة التحدي بلهجة بني هلال.وكثيرا ما تحصل بين
شعراؤهم اعني المجاكرة يرافقهـا نوع من التعصب حيث يتحد شعراء كل عشيرة او ناحية
من النواحي مع بعضهم ضد أي فئة أخرى وهذا اللون يعرف في الأدب الشعبي المعاصر
بالمحاورة.
الشاهد على أن الجن تحضر مثل هذه المناسبات أن الشيخ رقم 2 من
الأربعة
المذكورين سابقا حضر حفل من هذه الاحتفالات الكبيرة فقال في
صبيحة الحفل:-لقد حضر البارحة من الجن أكثر ممن حضر من الإنـس وهو ممن يزعم
رؤية الجن يغفر الله لنا و له.
ب\ جني المرأة يخاف زوجها: كانت إحدى النساء من جيرانا مصابة بجني
يصرعها بين الفينة والأخرى فسألتها مرة هل ترينه؟ فقالت أما عند قدومه فلا أسـتطيع
رؤيته إذ اشعر برهبة شديدة وألم يفصم ظهري وافقد القدرة على الحركة وأحس بالرغبـة
في الصراخ, وكانت بالفعل تصرخ صراخا يسمعه كل من يناله مدى الصـوت ثم تبقى صريعة
على الفراش لفترات قد تستمر من العصر إلى منتصـف الليل, قالت: لكنني في بعض
الأحيان أراه عندما يريد المغادرة حيث أشعر به وهو جالس على طرف السرير على صورة
قرد كريه المنظر جسمه مغطى بالشعر يتلفت يمينا وشمالا ويكرر النظر إلى فلان وهو
نائم - تعني زوجها- قالت: وبمجرد نزوله عن السرير يختفي فلا أراه.
ج \ الذئب يأكل الجن: كانت امرأتان من عشيرتنا كل واحدة مصابة بجني
وفي ليلـة من الليالي صُـرعت إحداهن كما هي عادتها وكان جنيها يتحدث مع الحاضرين
وبعد أن هدئت من الصرع بدأ يتحدث وهو مذهول من الخوف ويقول بأنه كان هو وجني فلانه
أي جارة المصروعة في المكان كذا وكذا فعدى عليهما الذئب واكل جني فلانــة ونجى هو
من الذئب بعد أن أنطلق بطنه سلح ـ أي أصابه إسـهال من الخوف ـ وقد فرح الحاضرون
بهذا الخبر وتمنوا أن الذئب أكله حتى هو وبالفعل لم تعد تصرع تلك المرأة
التي أكل الذئب جنيها حتى ماتت.
د/ عظمة البسملة: حضرة وشاهدت إحدى
العجايز قرب محايل عسير وقدصرعها جنيها وكان أيضا ممن يتحدث مع
الحاضرين فطلب ماء
ليشرب فجاء احد
أبناء العجوز بماء فلما ناولها حدقت بعينيها فيه فقال ابنها
أشرب الم تطلب ماء فقال
أبدلني غيـره والمتكلم هو الجني بلسان المرأة. فذهب الابن مرة أخرى وجاء بماء
وقربه إليها فقال الجني أبدلني غيره وإلا وردت بير أمغليله - يعني انه سيذهب
بالعجوز إلى البئر المذكورة - حيينها ذهب الابن مرة ثالثة واحضر له ماء فشرب ونحن
نتعجب من هذا الموقف فسألناه فقال في المرتين الأوليين كنت اسمي على الماء سرا وفي
آخر مرة لم اسمي خشية على أمي. وبعد أن شرب الجني أخذ يسب ويسخط في احد
المزارعين من أهل المحاطة فسأله ابن المرأة عن السبب فقال كنا نلقط حب من جرينه
فسمى فانطش كل ما قد جمعناه. ثم بعد ذلك بدأ ابن المرأة يسأل الجني عن أشياء أتذكر
منها انه سأله عن ابل لهم فقال:رأيتها قبل كذا وكذا – يذكر بعض أيام نسـيتها الآن
- مع لواء أمركس موضع اسمه إمركس وهو في تهامة بني هلال غرب محايل
عسير.
و من عظمة البسملة ايضا: كانت عجوز-غير المذكورة أعلاه -مصابة كذلك بجني يصرعها
بين الحين والآخر وفي مرة من المرات صرعها ثم اخذ يتحدث مع الحاضرين وكان مما قال
لهـم بأن إحدى أقربائهـم كانت تحمل ماعونا فيه لبن فعرقل لها حتى كادت ان تطيح
فانطش الحليب ولم تسمي قال :فشربت حتى رويت. وتلك المرأة التي عرقل لها في ديره
أخرى فلما ألتقوا سألوها هل حدث كذا وكذا فقالت
نعم.
هـ/ الجن تحرص الكنوز القديمة: بير أبو زيد بجبل عقود بحرة بني هلال:
يبدو أن هذه البئر حفرت لغرض غير غرض استخراج الماء إذ تقع في منطقة صخرية على
مرتفع يستحال وجود المياه الجوفية في مثله والأقرب أنها حفرت لغرض استخدامها ملجأ
حيث تنزل في العمق مسافة ثم تأخذ في الالتفاف حتى تنحجب الرؤية ويقال بأنها تمتد
لمسافات بعيدة تحت الجبل ويوجد فيها بعض الأثاث القديمة. وأظن أن هذا البئر ليسـت
من عمل البشر بل ناتجة عن بعض العوامل الطبيعية أو بسبب سقوط بعض
الأجرام السماوية. ويظهر أن القدماء استخدموها لتخزين الأثاث الثقيل اثنا رحيلهم
إلى مناطق بعيدة ويزعم الأهالي هناك بأن الجن تحرص تلك الأثث وقد اخبرني غير واحد
ممن لا اشك في صدقهم بأن أحد الأشخاص أخذ بعض الأثاث من البئر المذكورة وبجرد
استعمالها من قبل أهل البيت تحطمت ومات الرجل في الحال وعميت المرأة التي
استخدمتها وقد أدركتُها وهي عجوز عميـاء.
الحلقة الرابعة| الشعر الشعبي عند بني هلال البرك( الأزمال والبدوع): يوجد لبني هلال البرك في هذا المجال تراث
أدبي غزيرا جدا ضياعه يعتبر خسارة وتقصير من قبل القادرين على القيام بجمعه علما
بأنه يحتاج الى شرح بعض الكلمات المنطوقة باللهجة المحلية كما أنه لم يدون منه حتى
الآن سوى شواهد يسيرة أوردها الأستاذ/عبد الرحمن بن عبد الرحيم آل عبده في
كتابه القيم ( من تاريخ برك الغماد) ويمكن تقسيم الشعر عند بني
هلال البرك إلى: نصائح - مواعظ - مفاخر - مدائح – محاورات. حداوي -ألغاز- وغزليات.
وهذه بعض الأمثلة من الازمال الوعظية وشواهد من البدوع. والازمال
خاصة بعرظة الرجال والبدوع خاصة بلعب النساء ومفرد الازمال - زملٍٍٍ -
ومفرد البدوع - بدعٍ- كما في الامثلة التالية:ازمال : و هي
برواية الأخ/مفرح بن علي بن مفرح الهلالي.
أ/ 1- (يبريادم فعبد المولى تجنب عن جميع المعصيـة
واذكر محمد
كيف عذرك يوم عباي الحسايب)
2- (والله يلي كافر قبره محنب مخلد في
النـار
وعظامه ترمد دايم
في المخطيه ويقول تايــــــب)
ب/1 (يبر يا دم لا يغرك عن صلاتك كثرمالـك
والا من ضيمات حالك قطب امر الدين فنه مقديـاتي)
2 - {. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . }
ج/ 1- (يليادمي فحفظ صلاتك واحسن العمـل
لابد لك من فرقت الدنيا
ومالهـا)
وتروح في بيت يكنك دايم
الدهـر
لا تسمع الجايب ولا تنظر
طلالهـا)
د/1-(والله لو دريوا جميع المسلمين بالمحاسب
عند رب العالمين راصدا للعذر في هـول القيامة)
2- (عميى راعي الشور ذا عقله فكيـر وانتظر ذمبه
من أقلام تسـير يمتـدان لرض في وقت انهدامـــــــــــه).
هـ/ 1-( يالله يا رحمن يا واحد رقيــــــــــــــب
عالما
بالغيب وابدا في كتــــابه )
2-(ترحم اللي تاب من جمع
المعاصي
شارد من الذمب خايف من عذابــه)
و/1- (بديت ذكر الله وربي والي الصمــــــــــــد
وبكفه الجنه وهول من جهنبـي)
2 -( اللي خلق لاراض وجبال مقسمه
والعرش ذا مبـن ولو جدر محنـبي)
ز/1 ( يا عليا عالم بغيب القلوب ولنا بالخاتمة والنجم عالي)
2- (واعلي بيرقنا على جمع النجوم
..............
...........................................)
ح/ 1-( يالله يارحمن ياواحد
رقيـب
يالذي مكتوبة لقدار بيـده)
2-(اعطنا الجنات واحساب يسير
والذي يعصى الهدى فترد كيـده).
هذا ما أمكن إيراده من الأمثلة الأزمال الوعظية التي يزخر بها
الأدب الشعبي عند بني هلال و هناك نماذج من البدوع لا تقل أهمية عن الأزمال لما
فيها من الحكم مثل هذا البدع من قول الشاعر فايز الصبيحي:
(ياغافل لك لو تحلوى طوارف الجناب حيله ) و نأمل أن يتيسر لنا
جمع المزيد منها لاحقا إن شاء الله مع نسبة كل زمل او بدع إلى قائله مع أن
القسم الأكبر من البدوع لابد من التوقف عنده مليًا للنظر في صلاحية تدوينة إذ هو
في الجانب الغزلي .
والى هنا انتهت حكاوي من بادية بني هلال البرك وصلى
الله على نبينا محمد وآله وصحبه اجمعين.
ابراهيم بن
علي مفرح الهلالي جـــدة - 30/12/ 1425هـ
.
1-اغلب هذه الازمال للشاعر/ محمد بن محمد آل امجهيني الحياوي
الهلالي
2- الشاعر/علي بن نافع السـعدي اليحياوي الهلالي.
3- بعض الآ زمال لا أعرف منها سوى جناح واحد(شـطر بيت).
4- قول الشاعر – واذكر محمد – أي بالصلاة عليه
قول الشاعر- يغافلا - يحذر من الاغترار بصحبة بعض الأصحاب من
غير ذوي القربى وحلاوة كلامهم فقد
يكون استدراجا اولأغراض عارضه وقد جاء في أشعار وأقوال الحكمى مثل
هذا التحذير كثيرا.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته اخوي ابراهيم لاهنت ممكن تتواصل معي علي الايميل
ردحذفtrkiij @ gmail . com
تركي بن مقدم
*عليكم السلام ورحمة الله وبركاته*
حذفأعتذر منكم أخي تركي وهذا رقم الهاتف:0554542264