الأربعاء، نوفمبر 18، 2015

حكم صلاة الجماعة في المذاهب الفقهية

                                                         حكم
صلاة الجماعة  في المذاهب الفقهية "

    الحمد لله رب العالمين وبه استعين واصلي واسلم على نبينا محمـد و على آله وأصحابه الكرام البررة المبلغين عن رسولهم ما انزل إليه من ربه وما سـنه أما بعد فلقد شرع الله سبحانه للأمة الإسلامية من ضمن ما شرع اجتماعات مباركة تتكرر بيـن الحين والأخر تذكيرا لهـم بحقوق خالقهم وتطهيرا لذنوبهـم وتقوية لأواصر المودة والقربى بينهـم ووسيلة للتعارف والتالف والتناصح والتشاور فيما يصلح دينهم ودنياهم ويغيـض عدوهم وإظهار لشعائر دينهم الذي ارتضـى لهم. و من هذه الاجتمـاعات المباركة"صلاة الجماعة"التي هي من أعظم شعائر الإسلام الظاهرة وما أنشئت المساجد ولا شرع الأذان إلا من اجلها لإقامة ذكرالله تعالى والهتاف بإسمه وحده دون سواه وقد اجمع علماء المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها على مشروعية الاجتماع للصلاة وكان المسلمين في الزمان الأول اذا إدلهم عليهم الخطب نادى المنادي الصلاة جامعة الصلاة جامعة ومع اهيمية الصلاة والاجتماع لها فإن العلماء  عليهم رحمة الله أجمعين إختلفوا في منزلتها من الأحكام الفقهية هل هي واجبة على الأعيان أم هي واجب كفائي أم سنة من السنن. وبعد استقراء المراجع: باب الإمامة "صلاة الجماعة" تبين أن أقوالهم متداخلة في الحكم على صلاة الجماعة لكن  يمكن تصنيفها إلى ثلاثة أقوال وقولا رابعا للظاهرية ومن وافقهم وذلك بمقتضى  الأدلة على النحو الآتي:- 
القول الأول:صلاة الجماعة فرض على الأعيان للرجال مع القدرة عليها وليسـت شرطا في صحة الصلاة فتصح من منفرد ولو بغيرعذر وفي صلاته فضل لكن يأثم حيث ترك واجبا وشعيرة كبيرة.هذا مذهب الإمام أحمد بن حنبل  وقولا عند المالكية والحنفية.وقال به من كبار علماء السلف الأوزاعي وعطا بن رباح وأباثورالبغدادي والحافظ بن المنذر. 

   القول الثاني:- صلاة الجماعة من واجبات الكفاية إذا قام بها البعض - أي الأغلب-  سقط الأثم عن الباقين وإذا تمالاء الجميع على تركها أثموا جميعا وشرع لولي الأمر مقاتلتهم- بعد المناصحة - حتى يقيموها وهذا مذهب الشافعية وجماعة من علماء المالكية منهم الحافظ ابن عبد البر.

   القول الثالث:- صلاة الجماعة سنة من السنن المؤكدة ولا تجب على الأعيان لوجود أدلة صارفة عن الوجوب العيني وهذا مذهب المالكية وغالبية الأحناف وجماعة من علماء الشافعية والحنابلة والهادوية والزيدية.  

    القول الرابع: صلاة الجماعة فرض عين في المسجد على كل مكلف وشرط لصحة الصلاة. وهذا مذهب الإمام داود الظاهري وأتباعه قال أبومحمد مقرر المذهب الظاهري الحافظ ابن حزم رحمه الله: ولا تجزئ صلاة فرض أحد من الرجال إذا كان بحيث يسمع الأذن أن يصليها إلا في المسجد مع الإمام فإن تعمد ترك ذلك بغيرعذر بطلت صلاته. ووافقهم على هذا القول من الحنابلة الإمام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وابن عقيل وعليه جمهور علماء الدعوة السلفية بنجد وتوابعها لا سميا أهل الحسبة يوجبون الصلاة في المسجد ويقولون ببطلان صلاة المتخلف عن الجماعة. 
  
    هذا خلاصة ما تيسر لنا الاطلاع عليه من أقوال العلماء في حكم صلاة الجماعة وقد جعلت خلاصة البحث في المقدمة مع العلم ان العلماء وما أنا إلا ناقل عنهم يجعلون في الغالب خلاصة جهودهم في نهاية العمل وغرضي التسهيل وإفادة من لم يتيسر له الاطلاع على المذاهب الفقهية المبنية على أدلة صحيحة ليعلم الجميع بان دين الخالق اوسع  من صدور الخلق وأن الله سبحانه لم يجعل في الدين من حرج ولله الحمد والمنه وسوف أذكر فيما يلي بعض أدلة أقوالهم مع ذكر شيء من رد بعضهم على بعض مراعيا الاختصـار قدر الإمكان ومن الله نرجو العون والتوفيق: 
  
     القول الأول:-(وجوب صلاة الجماعة على الأعيان). استدل أصحاب هذا القول بأدلة كثيرة من القرآن والسنة على وجوب صلاة الجماعة فمن القران قوله تعالى { واركعوا مع الراكعين} سورة البقرة آية رقم 42 . وقد أجاب عنه العلماء بأن الآية نزلت في اليهود وذلك بعد أن حذرهم الله تعالى ونهاهم عن خصالهـم الذميمة ومنها خلط الحق بالباطل وكتمان ما يعلمونه من صدق محمد ونبوته صلى الله عليه وسلم ثم أمرهم سبحانه بحكم ما يدعونه من معرفة الحق بإقامة شرائع الدين الظاهرة ومنها الصلاة والزكاة لتصديق سرائرهم الباطنة وليكن ذلك على منهج الراكعين الخاضعين لله "واركعوا مع الراكعين" محمد وأصحابـه" لا على الملة اليهودية ولا على النصرانية. وهذا هو ما يقتضيه سياق الآيات المذكورة. ومن معاني الركوع في اللغة: الخضوع والانقياد طوعاً أو كرها. ومثله قوله تعالى{الذيـن يؤتون الزكاة وهم راكعون}أي طائعون منقادون إذ لا يشترط الركوع التعبدي المتعارف عليه عند دفع  الزكاة ولم يقل به أحد. ولا يصح تخصيصه بما يروى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه هذا إذا ثبت الحديث فالعبرة بعموم الحكم لا بخصوص السبب وهذا متفق عليه في علم الأصول.  

     الدليل الثاني:قوله تعالى{وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك}سورة النسـاء أية رقم 102 وأجيب عن هذا الاستدلال بإن الآية نزلت لتعليـم المسلمين صلاة الخوف عند ملاقاة العدو لئن ذلك ابلغ في الاحتراس إذ لو صلوا فرادى انشغل كل واحد بنفسه وربما تسبب ذلك في تخاذلهم ولم يؤمن عليهـم سطوة العدو وانتهاز الثغرات التي قد تلوح له ولو صلوا جماعة واحدة لأدى ذلك إلى الظفر بهم حال الانشغال بأعمال الصلاة جماعة، فاقتضت الحكمة الإلهية أن يكونوا فرقتين فرقة تسجد مع الإمام والأخرى تراقب جهة العدو وقد جاء بيان سبب نزول آية صلاة الخوف في حديث أبو عايش الزرقي رضي الله عنه قال:كنا مع رسول الله  صلى الله عليه وسلم بعسفان فاستقبلنا المشركون وعليهم خالد بن الوليد وهم  بيننا وبين القبلة فصلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الظهر فقالوا - يعني المشركين- قد كانوا على حال لو أصبنا غرتهم. ثم قالوا. يأتي عليهم الآن صلاة بعد هذه هي أحب إليهم من أبنائهم وأنفسهم "يقصدون صلاة العصر". فنزل جبريل بهذه الآيات بين الظهر والعصر{وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة - الآية}رواه احمد والحاكم وصححه البيهقي في الدلائل. فكانت بمثابة خطة عسكرية محكمة أنبهر منها المشـركين إذ اطلع الله رسوله على ما أضمروه من العداوة {ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحـدة} فغاية ما في الأمر تعليم المسلمين صلاة الخوف احترازا عن العدو ومن نتائج هذه الخطة المحكمة إسلام خالد بن الوليد رضي الله عنه(1) .   

    الدليل الثالث:حديث الهم بتحريق المتخلفين عن صلاة الجماعة وهو مخرج في الصحيحين من حديث أبو هريرة رضي الله عنه(قال:- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلا فيصلي بالناس، ثم أنطلق برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة، فأحرق عليهم بيوتهم بالنار))وقد أجاب عنه العلماء بأجوبة كثيرة منها :أن سـبب تخلف أولئك هو النفاق فجاز للرسول صلى الله عليه وسلم الهم بإحراقهم ويدل عليه قوله في أول الحديث:أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء والفجر. ويدل عليه أيضاً قول ابن مسعود رضي الله عنه:ولقد رايتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق. أي انه لم يكن يتخلف عن جماعة مسجد الرسول صلى عليه وسلم في تلك الحقبة إلا شرذمة قد عُرفت أشخاصهم بالنفاق. وأجابت طائفة أخرى عن الحديث المذكور بأن ذلك كان في بدء الإسلام حيث كان المسلمون في قلة من العدد فكانت الجماعة لازمة لاسيما في صلاة العشاء والفجر لكونهما في وقت الفراغ من الأعمال والأشغال الدنيوية فلم يعد هناك عذرا للتخلف عن الحضور فناسب وقتهما وجوب الاجتماع في طاعة الله ورسوله لتكثير سواد المسلمين وتبلغهم بالأوامر اليومية و تفقدهم من قبل القائد صلى  الله عليه وسلم وقد ورد صريحا في حديث أبي بن كعب قوله صلى الله عليه وسلم بعد إحدى صلوات الفجر: أشاهد فلان؟ أشاهد فلان(2)؟ كالمتفقد لهم فلما كثر المسلمون وقويت شوكتهم واستقرت الأوامر في نفوسـهم نسخ الوجوب وبقيت الفضيلة.

    الدليل الرابع:حديث الأعمى- ابن أم مكتوم- رضي الله عنه انه قال:يا رسول الله إن بينـي و بين المسجد نخلاً و شجراً و لا أقدر على قائد كل ساعة  أيسعني أن أصلي في بيتي ؟ قال :أتسمع الإقامة ؟قال:نعم ،قال:فأتِها )أخرجه الإمام احمد بهذا اللفظ. وأجيب عنه بحديث عتبان بن مالك الانصاري رضي الله عنه قال(يارسول إني انكرت بصري وان السيول تحول بيني وبين مسجد قومي فلوددت انك جئت فصليت في بيتي مكانا حتى اتخذه مسجدا فقال له[أفعل ان شاء الله] فأتاه من الغد ومعه ابو بكر فقال [اين تحب ان اصلي من بيتك] فأشار إلى مكان من البيت فصلى فيه .. الحديث رواه البخاري ومسلم. 

ومن الواضح أن في الحديثين إشكال: فإما ان يكون حديث ابن ام مكتوم منسوخ وإلا فهو معارض بحديث عتبان فلم يعد الاحتجاج به على وجوب الجماعة  مستقيما وذلك أن الشكوى في الحديثين متشابهة والحكم مختلف وللعلماء في هذين الحديثين كلام كثير سيأتي بعضه إن شاء الله ومن أراد الإستزادة فلينظره في المراجع المرفقة.

القول الثاني :- صلاة الجماعة واجب كفائي إذا قام بها البعض سقط الوجوب عن الباقين. استدل أصحاب هذا القول بحديث أبو الدرداء رضي الله عنه قال:(سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول:ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لا يؤذن ولا تقام فيهم الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان ، فعليك بالجماعة فإنما يأكل الذئب - من الغنم -  القاصية)والمقصود بالجماعة هنا الجماعة في الصلاة ). رواه احمد والبيهقي والحاكم وقال صحيح الإسناد. قالوا دل الحديث بمنطوقه على وجوب الأذان وإقامة الصلاة جماعة لئن استحواذ الشيطان أمر يجب دفعه كما يجب دفع العدو الظاهر. ودل الحديث بمفهومه على انه إذا قام ثلاثة فأكثرمن أي جماعة بالأذان والصلاة جماعة اندفع استحواذ الشيطان وبذلك يسقط الوجوب عن الباقين. ولهم أيضاً من الادلة على عدم الوجوب العيني  انه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أمره الوفود عليه بالصلاة جماعة ولو كانت الجماعة واجبة على الأعيان للزمه البلاغ صلى الله عليه وسلم فكونه لم ينقل عنه ذلك دل على عدم الوجوب بل إنه صلى الله عليه وسلم اقر الذي اقسم أن لا يزيد على الفرائض بعد ان علمه إياها ولم ينقل عنه صلى عليه وسلم لا في حديث صحيح ولا ضعيف بإنه أمره بأداء الصلاة جماعة فعلم أن الجماعة ليست من شروط  الصلاة ولا من واجباتها بل هي "أمر زائدا على الفرض كغيرها من فضائل الأعمال الزائدة على الفرائض"كصدقة التطوع وصيام التطوع.وقد رخص صلى الله عليه وسلم لبعض أصحابه في إتخاذ مصلى في بيته كما في حديث عتبان  بن مالك مع مواظبته على الجماعة طيلة حياته صلى عليه وسلم  فيؤخذ من هذا أن الجماعة واجب على الكفاية مع ما فيها من زيادة الفضل ورفع الدرجات. 

القول الثالث :- صلاة الجماعة سـنة من السنن المؤكدة. استدل أصحاب هذا القول بأدلة كثيرة جدا قالوا بأنها صارفة او ناسخة للوجوب إلى السنة منها قوله صلى الله عليه وسلم  (صلاة الجماعة تفضل على صلاة الفرد بسبع وعشرين درجة). رواه البخاري وقوله صلى الله عليه وسلم:(صلاة مع الإمام أفضل من خمس وعشرين صلاة يصليها وحده). رواه مسلم وقوله صلى الله عليه وسلم:(صلاة الرجل في جماعة تضاعف على صلاته في بيته وفي سوقه خمس وعشرين ضعفا)رواه البخاري ومسلم.وقال صلى الله عليه وسلم( صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل وما كثر فهو أحب إلى الله عز وجل). رواه احمد وأصحاب السنن. وقال صلى الله عليه وسلم: (أعظم الناس أجرا في الصلاة أبعدهم فأبعدهم ممشى والذي ينتظر الصلاة حتى يصليها مع الإمام أعظم أجرا من الذي يصلي ثم ينام).متفق عليه قالوا: بمجموع هذه الأحاديث الصحيحة نقول بأن الجماعة في الصلاة لا واجب عيني ولا كفائي  وليست شرط لصحة الصلاة بل هي سنة من السنن المؤكدة ينبغي المحافظة عليها لما فيها من الأجر والثوب ورفع الدرجات كما في الأحاديث المذكورة وغيرها مثل قوله صلى الله وسلم:من صلى العشاء في جماعة  فكأنما قام نصف الليل ومن صلى العشاء و الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله) رواه مسلم. وقوله صلى الله عليه وسلم:من صلى؟ يشعر بالتخييـر مع ما فيه  من الترغيب. وهكذا قوله صلى الله عليه و سلم :صلاة الرجل في جماعة تضاعف على صلاته في بيته وفي سوقه خمس وعشرين ضعفا. يؤخذ منه أن من صلى منفردا فصلاته صحيحة مجزئة لكنه فرط في فضل الجماعة وعلى هذا القول جمهورا من من علماء السلف والخلف.

القول الرابع: استدل اصحاب هذا القول بجملة احاديث منها ما تقدم  مثل حديث التحريق الذي سبق ذكره في مناقشة القول الأول والرد عليه ومنها حديث ابن عباس رضي الله عنهما ولفظه :من سمع النداء فلم يأت فلا صلاة له إلا من عذر. رواه احمد وابن ماجه والدار قطني وابن حبان والحاكم  ومثله عن: علي بن ابو طالب  وابن مسعود وابو موسى الاشعري وعائشة رضي الله عنهم  أجمعين وقد تكلم في ثبوتها علماء الحديث وعلى فرضية ثبوتها أجاب عنها الفقهاء بجملة احاديث منها ما رواه الإمام مالك واحمد والنسائي. أن محجن بن الادرع الأسلمي رضي الله عنه كان في مجلس مع الرسول فأذن - المؤذن - بالصلاة وقام النبي صلى الله عليه وسلم فصلى ثم رجع ومحجن جالس في مكانه فقاله له صلى الله عليه وسلم :(ما منعك ان  تصلي مع الناس ألست برجل مسلم؟ قال : بلى يا رسول الله ولكني كنت قد صليت في أهلي. فلم ينكر عليه وإنما أرشده للأفضل فقال له :إذا جئت المسجد وكنت قد صليت وأقيمت الصلاة فصلي مع الناس وإن كنت قد صليت. وهذا صريحا في الدلالة على صحة صلاة المنفرد وجاء عن عدد من الصحابة رضي الله عنهم ما يدل على صحة صلاة المنفرد منهم:عبدالله بن عمر وحذيفة بن اليمان وعبد الله بن عمرو بن العاص وابو ايوب الانصاري وزيد بن ثابت. وعليه جمهور العلماء وهذا يؤيد القول بأن الجماعة واجب كفائي اذا قام بها مجموع اهل الحي او القرية سقط الوجوب عن حالات التخلف النادرة ولله الحمد والذي وسعت رحمته كل شيء.

الخلاصة:- يمكن أن يصدق على صلاة الجماعة كل ما ذهب إليه العلماء  فالذين قالوا بوجوب الجماعة على الاعيان قولهم حجة ومكانتهم مشهودة على مستوى العالم الاسلامي ولهم ادلة لا يمكن اطراحها  ويزيدها قوة مواظبة السواد الأعظم من المسلمين على صلاة الجماعة على مر العصور والأزمان وفي كـل الظروف والأحوال وفي جميع بقاع الارض.

     والذين قالوا بأن الجماعة في الصلاة من واجبات الكفاية لا حظوا بمقتضى الأدلة أن صلاة الجماعة دون الوجوب العيني في حق الفرادى وأعلى من مجرد سـنة على مستوى الجماعة وهذا القول هوالأقرب للتوفيق بين الأدلة والأليق بمنزلـة  صلاة  الجماعة  فإن الناظر في الأدلة بتحرر عن قيود التقليد يجد شيء من الإشكال وذلك أن الأدلة القولية قد تعارضت أو تعادلت فالقول بالوجوب العيني استنادا إلى حديث الهم بتحريق المتخلفين عن الجماعة يقابله جملة أحاديث يؤخذ منها عدم الوجوب مثل قوله صلى الله عليه وسلم (من صلى العشاء في جماعة)فقوله " من " يشعر بعدم وجوب الجماعة وإقراره صلى الله عليه وسلم للمتعجل بصلاته قبل الإمام في حديث انس عند البخاري ومسلم "والذي ينتظر الصلاة حتى يصليها مع الإمام أعظم أجرا مـمن يصلي ثم ينام" ويقابل حديث عبدالله بن ام مكتوم حديث عتبان بن مالك قال عنه الفقيه ابن رشد  رحمه الله بعد مناقشة القول بوجوب الجماعة قال: وعارض هذا الحديث حديث عتبان بن مالك. يعني ان حديث الأعمى - ابن أم مكتوم - معارض بحديث عتبان بن مالك وكذلك أحاديث تفضيل الجماعة على المنفرد تدل على أن الفارق بين الصلاتين مضاعفة الأجر والمضاعفة أمر زائدا على الأصل الواجب وكل ما زاد عن الواجب لا يجب. قال الحافظ ابن حجر: ويدل على نسخ الوجوب - العيني - الأحاديث الواردة في تفضيل صلاة الجماعة على صلاة الفرد لأن الأفضلية تقتضي الاشتراك في أصل الفضل.اهـ وكذلك يقابل تفضيل صلاة الجماعة على صلاة المنفرد حديث أبو سعيد الخدري رضي الله عنه "صلاة الرجل في الفلاة تضاعف على صلاته في الجماعة خمسين صلاة" رواه أبو داود وصححه الالباني. وفي هذا المعنى أيضا أحاديث الترغيب في العزلة كحديث سلمه ابن الاكوع وسعد ابن أبي وقاص وحديث الراعي وكل ما قال الله وما صح عن رسوله جاز الاخذ به ولو"شطر كلمة" والحق لا يحابي هذا أو ذاك. ويقابل الآثارالوادرة عن الصحابة في وجوب الجماعة أثار مثلها في عدم الوجوب ولولا خشية الإطالة لأوردت كل ما وقفت عليه من الأدلة وهي بحمدلله ميسرة لمن تهيء له الإطلاع عليها بالمراجع الملحقة.
   والقول بأن الجماعة مجرد سـنة من السنن يشكل عليه مواظبة الرسول واصحابه والأمة من بعدهم حيث لازم صلى الله عليه وسلم صلاة الجماعة طيلة حياته في صحته ومرضه وفي حله و ترحاله وكان يأتي من السنن الأخرى ويذر وقد نص كثير ممن يقول بسنية الجماعة على أنه يلزم الاجتماع لها لكونها من شعائر الدين الظاهرة قال الامام الشوكاني بعد مناقشة علمية لأقوال العلماء في حكم صلاة الجماعة قال رحمه الله :فأعدل الأقوال وأقربها إلى الصواب ان الجماعة من السنن المؤكدة التي لا يخل بملازمتها ما أمكن إلا محروم مشئوم.

    والحاصل أن الأدلة قد تعادلت أو تعارضت كما تقدم مع تفاوتها في الدرجات وهذا هو سبب اختلاف هذه الامة كثرة الادلة وتنوعها وليس في ذلك تناقض أو خلل بل هو من سعة الإسلام وشموله ليحتضن كل أتباعه (السابق بالخيرات والمقتصد والظالم لنفسه)ولو أراد الله سبحانه أن تكون جميع الأحكام على وتيرة واحدة لكان ما أراد ولكن الله لطيف بعباده{وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ}وأخيرا: من سره أن يلقى الله غدا مسلما فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن فإن الله شرع لنبيكم - صلى الله عليه وسلم - سنن الهدى و إنهن من سنن الهدى ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم وما من رجل يتطهر فيحسن الطهور ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة ويرفعه بها درجة ويحط عنه بها سيئة ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق ولقد كان الرجل يؤتي به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصـف. محبكم إبن أم عبد أبوعبدالرحمن/عبدالله بن مسعود الهذلي. أسأل الله تعالى ان شرح صدورنا وأن يلم شملنا ويرزقنا الفقه في ديننا على الوجه الذي يجمعنا ولا يفرق بينا وصلى الله وسلم على نبينا محمد واله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين.

غرة جماد الثانية 1430هـ
 المملكة العربية السعودية محافظة/ جدة 
ابراهيم بن علي بن مفرح المقروي الهلالي.
  
                                                             المراجع
              
                                                ( تفاسير القرآن الكريم )
1- أحكام القرآن. أبو عبد الله القرطبـي.    2- تهذيب تفسير ابن كثير. القاضي كنعان                                                  
3- تفسير  الشــوكاني "فتح القدير"       4- أيسر التفاسـير. أبو بكر جابر الجزائــري.
5- تفسير السعدي"تيسيرين الكريم الرحمن 6- تفسير القران بالقران. الشـنقيطي       
7- لباب النقول في أسباب النزول.الأسيوطي 
                                                      (الحديث الشريف)
 1- جامع الأصول.تحقيق عبد القادر الارنؤوط     2-فتح الباري شرح صحيح البخاري.ابن حجر                             
3- المنهاج في شرح صحيح مسلم/النـووي.        4- فيض القدير شرح الجامع الصغير. المناوي
5- المنتقى في شرح الموطأ. للباجـي .             6- مجمع الزوائد ومنبع الفوائد. الحافظ الهيثمي

                                                      ( السير والمغازي)
1- هذا الحبيب يا محب" في السيرة النبوية"                      أبو بكر جابر الجزائري
2- السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية.                      د/مهدي رزق الله            
3-  الرحيق المختوم. في السيرة النبوية.                           العلامة/المباركفوري الهندي
                                                                 ( أدلة الأحكام)   
1- نيل المرام من تفسير آيات الأحكـام. صديق حسن.  2- الإكليل في استنباط التنزيــل. الأسيوطي  
3- نيل الاوطار شرح منتقى الأخبار.الشوكاني           4- سبل السلام شرح بلوغ المرام من أدلة الاحكام/الامير الصنعاني
5- تيسير العلام شرح عمدة الأحكام.فضيلة الشيخ/عبدالله بن محمد البسام القاضي بهيئة التمييز بمكة المكرمة.     
6- جامع العلوم والحكم. ابن رجب الحنبلــي        7- جامع بيان العلم وفضله. أبو عمر يوسف ابن عبد البــرالنمري
                                             (كتب التخريج)
1- نصب الراية في تحريج احاديث الهداية للزيلعي مع الحاشيته بغية الألمعي. تحقيق /الكوثري
- التلخيص الحبير في تخريج احاديث الرافعي الكبير ابن حجر العسـقلاني/ تحيق علي معوض وعادل الجمل   
3- إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل  الشيخ العلامة/ناصر الدين الألباني
4- التكميل لمافات الألباني تحريجه في  ارواء الغليل/ معالي الشيخ صالح آل الشيخ
5- سلسلة الصحيحة والضعيفة / الالباني

                                                  (كتب الفقه المقارن)
1- الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الامصار وعلماء الاقطار/ابن عبد البر النمـري المالكي 
2- المغني لابن قدامة المقدسي. تحقيق الدكتور/عبدالله التركي وعبدالفتاح الحلو
3- بداية المجتهد ونهاية المقتصد ابن رشد  تحقيق/علي معوض وعـادل الجمل
4- سبل السلام شرح بلوغ المرام في أدلة الاحكام/الامير الصنعاني
                                               كتب الفقه المذهبي:
1-/الانصاف في معرفة الراجح من الخلاف/حنبلي.
2-الحاوي الكبير الماوردي/ شافعي 
3-الرسالة الفقهية القيرواني/مالكي
4-حاشية ابن عابدين/ حنفي
 5-المحلى شرح المجلى ابن حزم /ظاهري



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق